المشهد المصري بعد مرور عام على رابعة

مركز الديوان([1])

مع مرور عام على مذبحة رابعة، باعتبارها “نقطة انقلاب” في مسار المواجهة، يتحتم على الحراك الثوري الوقوف بحسم مع حصيلة هذا العام، قبل اتخاذ أي مسار من المسارات القليلة المتاحة. وإذ تبدو المهمة حساسة؛ كون الواقع شديد التعقيد تتحكم فيه توازنات دقيقة، لكنها في نفس الوقت مهمة ضرورية لتدراك الموقف ولاستيعاب محصلة عام طويل من المواجهة الحاسمة التي ستؤثر على مستقبل المشرق العربي كله.

 

 

أولا: إنجازات الانقلاب

يمكن القول بلا تحفظ أن السيسي حقق انتصارا كبيرا خلال عام مضى، واستطاع العودة بالمشهد إلى ما قبل نقطة الصفر. لم يتمكن فحسب من إقصاء الرئيس المنتخب، وإهدار كافة الاستحقاقات السياسية والقانونية التي تلت الثورة، بل نفذ أوسع حملة اعتقالات، وارتكب أبشع عمليات القتل الجماعي في تاريخ مصر الحديث. وفرض أوضاعا سياسية وقانونية ودستورية بقوة الأمر الواقع. لكنّ الأهم من كل هذا، أنه نفذ ثورته المضادة بعد أن وحد أجهزة الدولة الأمنية والبيروقراطية والمؤسستين الدينيتين والقضاء، وبدعم  من ظهير شعبي من الطبقة الوسطى وقطاع ليس قليل من الفقراء.

 

ليس من المجدي قياس تلك القوة الشعبية بحسابات الصندوق الانتخابي (أي أنها ليست بالضرورة “أغلبية انتخابية”)، لأنه ليس ثمة صندوق انتخابي أصلا. المعادلة عادت إلى ما قبل يناير: دولة أمنية ومؤسسات بيروقراطية في مواجهة كتلة شعبية متنامية يتراكم لديها رصيد الغضب.  لكنّ ثمة فوارق؛ فالدولة الأمنية لا تدافع عن نظامها السياسي بقدر ما تنتقم من تيار اجتماعي وسياسي اعتبرت أنه أهانها ومازال يمثل التهديد الأساسي لاستمرار نفوذها وسلطتها، أي أن هدف القمع ليس توجيه ضربات اجهاضية لقوة معارضة لتعطيلها أو تحجيم خطواتها السياسية، بل الانتقام وتدمير بنية الحركة خاصة على مستوى مواردها المادية، ومنافذها التقليدية (الاجتماعية والدعوية) التي تواجدت من خلالها في عمق المجتمع على مدار ثلاثة عقود سابقة.

 

أما المؤسسات البيروقراطية فباتت أكثر “وقاحة” في الانحياز للنظام السياسي والدفاع عن علاقاتها المتشابكة معه. أدركت هذه الأجهزة أن أي عملية تغيير سياسي حقيقي تمثل تهديدا مباشرا لنفوذها، لذا باتت أكثر شراسة. وهو ما يبرر الجرأة غير المسبوقة لسلوك السلطة القضائية التي كانت نوعا ما خارج دائرة المواجهة في عهد مبارك. إلا أن شعورها بالخطر الذي يتهدد نفوذها ومصالحها  دفعها لخوض مواجهة مفتوحة ومكشوفة. وتأتي قيمة الكتلة الشعبية أنها تضفي على النظام الحالي ما افتقده نظام مبارك، ومن ثم لا يمكن التعامل مع الثورة المضادة ككيان محاصر شعبيا يسهل الانقضاض عليه.

 

ثمة مؤشران بالغا الدلالة:

الأول: رد الفعل الشعبي المتواضع تجاه قرارات رفع الدعم جزئيا عن المواد البترولية، ورفع أسعار الكهرباء.

الثاني: رد الفعل الشعبي إزاء الحرب على غزة وموقف النظام المصري الحالي منها.

ليس ثمة شك أن تأمل الحدثين يقود إلى نتيجية واضحة: مازال النظام قادرا على اقناع قطاع غير قليل من المصريين بخطابه ومبرراته، وأن هذا القطاع مازال لديه بعض الصبر والأمل... والكثير من الخوف. يمكن فهم ذلك من خلال مقاربة أن «جوهر شعبية السيسي مزيج بين التوقعات والخوف. الخوف من تفكك الدولة، ومن الفوضى والحرب الأهلية والإرهاب وإنهيار الأمن.. ومستقبل داعشي النزعة. هناك رغبة عارمة في الاستقرار بأي ثمن لدى قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى وقطاعات ليست هينة من الطبقة العاملة والفقراء»([1]). حققت الثورة المضادة انتصارها في هذه الجولة، وهو ليس انتصارا بسيطا، ومن ثم لا يجب غض الطرف عنه أو تجاوزه وإهمال تداعياته على الجولات التالية في المواجهة.

 

 

ثانيا: تحديات تواجه الانقلاب داخلية وخارجيا

ليس معنى ما سبق أن انتصار السيسي نهائيا أو مكتملا، بل يمكن القول أن أيامه المقبلة ليست أسهل من السابقة في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهه، وأنه بلغ ذروة نجاحه وحان وقت الهبوط وإن كان من الصعب التقدير بحسم كم تستغرق مسيرة الهبوط.([2])

 

  1. التحديات الداخلية

تواجه السيسي مطالب اجتماعية لن تهدأ، وأزمة اقتصادية عميقة، وتجلي لافت لتخلف متراكم في مرافق الدولة الخدمية الأساسية (الكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرق). وجميعها تتطلب موارد مالية ووقت، والأهم من ذلك نمط من الإدارة مختلف تماما عن المنظومة الراهنة التي لاتعدو كونها منظومة نظام مبارك (بكل فسادها واهترائها وافتقادها للكفاءة اللازمة) مضافا إليها المزيد من هيمنة المؤسسة العسكرية.

 

يعتمد السيسي على معادلة بسيطة: تقليل عجز الموازنة من خلال زيادة الموارد وتقليل النفقات (بتقليل ما يتلقاه الفقراء من دعم وليس بتقليل النفقات الحكومية مثلا)، بالإضافة إلى وعود خليجية تضمن له انتظام امدادات الوقود وضخ استثمارات ليس من الواضح بعد مدى المبالغة في تقدير قيمتها ومداها الزمني.

 

ظاهريا، استطاع السيسي تقليل عجز الموازنة من خلال قرارت خفض الدعم ورفع أسعار الكهرباء وفرض بعض الضرائب الجديدة (مثلا: ضريبة 10% على أرباح أسهم البرصة، وضريبة 5% مؤقتة لمدة ثلاث سنوات على أرباح الأشخاص والشركات، وضريبة العقارات)، وزيادة ضرائب أخرى (ضرائب على السجائر مثلا). لكنّ هذه الإجراءات، التي يتوقع أن تكون مجرد مرحلة أولى لخطوات أخرى لن تمس جوهر الأزمة الإقتصادية في مصر، ولن تؤدي لأية تغيرات حقيقية تمس مستوى دخل المواطن؛ أو توفر موارد كافية للدولة كي ترفع من كفاءة جهازها الخدمي. فضلا عن أن هذه الاجراءات تمس بصورة مباشرة الفقراء الذين لا يتمتعون بنظام عادل للأجور أو الرعاية الصحة أو الضمان الاجتماعي.

 

تشير الأرقام الرسمية إلى ارتفاع عجز الموازنة الجديدة بعد تطبيق حزمة الإصلاحات إلى 288 مليار جنيه مصري بما يبلغ 12.6%، بتحسن طفيف عن الموازنة السابقة التي تجاوز فيها العجز 14%. ووصلت الديون الداخلية والخارجية إلى نحو تريليوني جنيه مصري، في الوقت الذي بلغت فيه نسبة التضخم 10.6%، وهي نسبة مرتفعة تدفع باتجاه انهيار قيمة العملة المحلية وقدرتها الشرائية في ظل تنامي معدلات الأسعار.

 

هذه الخطوة تظل حرثا في ماء؛ فلا معنى لأي إصلاح اقتصادي دون الاشتباك المباشر مع تشوهات الاقتصاد المصري والمالية العامة للدولة. وطالما ظل النظام الضريبي قائما على قاعدة الجباية ومفتقدا لمعايير العدالة وبه ثغرات كبيرة للتهرب الواسع، وطالما ظل هيكل الأجور على حالته، سيظل التفاوت الهائل بين تحقيق الدولة لمعدلات نمو وبين أن يشعر المواطن بعوائد ذلك النمو.

 

إن تركيز السياسة المالية للدولة على حل مشكلات جانب النفقات، بتقليل ما يتلقاه الفقراء من دعم، مع استهداف معدلات نمو عالية، هو إهمال للتوزيع العادل لعوائد هذا النمو، وحق الفقير في خدمات الصحة والتعليم وتمتعه بأشكال الضمان الاجتماعي على اختلافها. وسيظل ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى عدم ترجمة النمو إلى تحسن فعلي في مستوى معيشة الفقراء، وهذا كله ليس إلا استمرار لسياسة حكومة رجال الأعمال قبل الثورة التي راكمت غضبا شعبيا تفجر بعضه في 28 يناير2011. وعلى سبيل المثال، ارتفعت نسبة السكان الذي يقبعون تحت خط الفقر من 16.7% عام (1999-2000) إلى 21.6% عام (2008-2009) وهو نفس العام الذي بلغ النمو فيه نسبة غير مسبوقة اقتربت من 8%.([3])

 

بالإضافة للجوانب الاقتصادية، تشهد مصر حالة من الاحتقان المجتمعي لا يمكن استمرارها. القلب مثقل بغلاء وبطالة وعشوائيات وتشوه أخلاقي تجلى في مناسبات عديدة؛ أما الأطراف فتبدو قلقلة أمنيا ومهمشة اقتصاديا وسياسيا. واللافت أن نظام يوليو2013 يتعامل باستخفاف غريب من كلا المستويين: فمنطق القوة هو ما يواجه سكان العشوائيات والباعة الجائلين، والأمر الواقع هو ما يواجه به تطلعات الفقراء، بينما تعرضت الأطراف في سيناء إلى حملة غير مسبوقة تعدت على أعراف وحرمات ودماء.

بعد عام كامل من حملة عسكرية على مناطق في سيناء، ظهر تنظيم أنصار بيت المقدس في صلاة العيد، في خطبة بثها التنظيم على الانترنت. ليس ما يستدعي التأمل جرأة أفراده على التجمع بأسلحتهم المحملة على سيارات الدفع الرباعي بقدر ما يستدعي التأمل رسائل حملتها خطبة العيد تتعهد لأهل سيناء بحمايتهم والثأر لما لحق بهم واقتسام المعاناة والمعافاة معهم. يتكامل هذا المشهد مع هجمات الصحراء الغربية، لتبدو التساؤلات حول استيعاب الدولة لخطورة الوضع على الأطراف ملحة ومقلقة. بث تنظيم أنصار بيت المقدس فيلما مصورا صادما لعملية قتل مجندين في سيناء، واختتم الفيلم بصورة ترويجية لفيلم قادم عن عملية الفرافرة! التنظيم المحدود الذي بدأ في الأساس لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية تمدد في الدلتا عقب الانقلاب، والآن يملأ فراغ الأطرف الغربية.

 

فإذا أضفنا لذلك ملف النوبة الرابض تحت الرماد، وتهميش الصعيد، وصلف الدولة في التعامل مع قبائل الشمال والجنوب والغرب، وانتشار السلاح وسيادة منطق القوة حتى بين تجار "وسط البلد" في القاهرة نفسها، نصبح أمام تهديدات قد لا تكون جاهزة للانفجار الآن، لكن مع تجاهل الدولة وعدم استقرار الأوضاع تصبح السيناريوهات الأسوأ واردة. قد تكون قوة القبضة الأمنية مجدية في لحظة نشوة مجتمعية بعودة هيبة الدولة، لكنها لن تنجح وقد ذهبت السكرة وبدا الواقع في أحسن الأحوال كما هو في الفترة التي صورت باعتبارها الأسوأ، والمستقبل بات أكثر غموضا.  يريد الناس الكثير من الحلول، لمشاكل راكمتها سنوات ليست طويلة، وليس ثمة ما يشير إلى  امتلاك السيسي ما يقدمه في المدى القريب.

 

2 . التحديات الخارجية

مازال السيسي يعتمد بصورة حصرية على حلفائه في الخليج. الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي اتخذا قرارا بالتطبيع مع النظام الجديد عقب انتخابات الرئاسة. لكنّ لا شك أن استمرار النهج الأمني والممارسات القمعية، مع استمرار حالة التظاهر في الشارع وغياب أي مؤشرات على قرب الاستقرار السياسي، يضعا حدا لمدى استعداد الغرب تطوير شراكته مع النظام القائم الذي ينتظر منهم أكثر من مجرد “التشجيع” السياسي. (من اللافت مثلا أنه وبعد أكثر من عام لم تتخذ الدول الغربية خطوات معتبرة في مجال الدعم الاقتصادي ولو من خلال صندوق النقد. ومازالت تكتفي بالدعم الخليجي الذي يمنع السيسي من الانهيار).

في الغالب سيظل هناك ضغطا أوربيا وأمريكيا على السيسي لإجباره على تغيير الخط العام لسياساته الداخلية، والتوصل إلى تسوية سياسية تنهي حالة الاحتقان. وليس من المستبعد أن تكون حالة الفتور، التي تتزامن مع مناورة السيسي بتطوير مستوى العلاقات المصرية الروسية، علامة على تمسك كل طرف بموقفه: السيسي لا يرغب في تغيير موقفه، والغرب قلق من استمرار المواجهة الداخلية. مع ملاحظة أن علاقات البنتاجون بالجيش لم تهتز طوال الأزمة.

 

خليجيا، لا يتوقع بأي حال أن تتراجع المملكة العربية السعودية والإمارات عن موقفهما الداعم/الشريك للسيسي. مع التسليم أن السعودية توجه أولوياتها ومواردها حاليا إلى العراق، وبصورة أقل إلى اليمن، حيث التطورات تمس بصورة مباشرة أمنها الداخلي.  تستطيع الدولتان توفير احتياجات مصر من النفط،(أُعلن مؤخرا عن موافقة الإمارات مبدئيا على توفير مواد بترولية للعام المقبل بتكلفة 8.7 مليار دولار بعضها على شكل منح لا ترح والباقي يتم سداده بتسهيلات، وهي أكثر قليلا من نصف احتياجات مصر السنوية البالغة حوالي 15.6 مليار دولار)؛ بالإضافة إلى ضخ استثمارات وودائع تحافظ على الاحتياطي النقدي في مستويات آمنة. لكنّ تمويل نفقات الدولة أو تغطية عجز ميزانيتها لا يتوقع في ظل الاحتياجات المصرية الكبيرة. ويبدو أن مؤتمر أصدقاء مصر، أو مؤتمر المانحين، أصبح الهدف منه هو توفير دعم لتخفيف العبء عن السعودية والإمارات. (ثمة أرقام غير مسبوقة، تتحدث عن اقتراض الدولة المصرية، طبقاً لوزارة المالية، في العام المالي 2013-2014، 786 مليار جنيه في صيغة سندات وأذونات خزانة.)

 

السؤال عن “الجدوى” لاشك بات مطروحا في السعودية مع طول فترة المواجهة وارتفاع التكلفة خاصة مع أوضاع المملكة الداخلية التي قد تتأثر بهذه المواجهة الإقليمية مع تيار له امتداد سعودي تاريخي. تتنازع السعودية خلافات داخلية حول الحكم ومستقبله، وتوجد حالة من الاحتقان المجتمعي لا تجد متنفسا حتى الآن إلا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وباتت تتبنى بجانب المطالب السياسية والحقوقية، مطالب معيشية تتعلق بالسكن وفواتير الكهرباء، والضمان الاجتماعي، وتراجع الخدمات الأساسية (خاصة المياة) في بعض المناطق، وارتفاع نسب البطالة، وأحوال المرأة ...الخ. وكلها مشكلات يتم تسكينها بهبات ومبادرات ملكية متواصلة منذ مارس 2011.

 

أما الخطر الأكبر فيأتي من العراق وسوريا. هاجس انتقال التوترات إلى داخل المملكة سرّع من معدلات القضايا التي تحكم فيها المحكمة الجزائية المتخصصة، (محكمة خاصة بالإرهاب)، بالتعاطف مع منظمات إرهابية أو الدعوة للسفر إلى سوريا أو العراق ....الخ.

البيئة الإقليمية بصورة عامة لا تخدم السيسي؛ تنامي حالة الاضطراب وغياب الاستقرار وهيمنة اللايقين وزيادة نفوذ الجماعات الإسلامية المسلحة شرقا وغربا، يلقي بظلال سلبية على مصر التي يجب عليها مواجهة التهديدات الخارجية بجبهة داخلية مستقرة وهادئة. كما أن ضغوط الحلفاء على مصر من أجل لعب دور في ليبيا وربما العراق يضعه أمام خيارات لا يمكنه تحمل تداعياتها. ويبدو جموح السيسي بلا حدود؛ فالتورط المصري في ليبيا استجابة للإمارات، ليس من المستبعد أن يتطور إلى تورط مصري في العراق استجابة للسعودية. 

 

وأخيرا، تضررت صورة السيسي كثيرا نتيجة الموقف المصري من حرب غزة، وأحرجه بصورة غير متوقعة الموقف السياسي الذي تبنته الفصائل الفلسطينية والذي اتسم بالتحدي (أبومازن نفسه لم يستطع تبني موقفا سياسيا مغايرا)، وهو ما اضطره في النهاية لدعوة حماس وغيرها من الفصائل إلى القاهرة، وفرض منطقا على المحادثات سيحقق في الغالب الحد الأدنى من مطالب حماس، وهي بالنسبة له أعلى من توقعاته عند بداية العملية العسكرية.

في المقابل يظل موقف كل من قطر وتركيا متماسكا، ولا يتوقع تغيره في المدى القريب؛ وصول أردوغان للرئاسة التركية وتجاوزه المؤامرة الإقليمية سيحافظ على موقفه من الوضع في مصر. بينما المصالحة الخليجية تراوح مكانها بين التصعييد أو التوافق على الحد الأدنى من تجنب المواجهات المباشرة واحتفاظ كل طرف بموقفه من مصر.

محصلة المشهدين الداخلي والخارجي هيمنت على لغة خطاب السيسي يوم إطلاق مشروع القناة، حيث أرسل رسالة هي الأولى من نوعها، مفادها (اللي يختلف معانا من حقه يعيش بيننا معتنقا ما يشاء من الأفكار طالما أنه لا يؤذي البلد “متروحش تولع في كشك كهربا” -  يجب أن نكون على قلب رجل واحد، والمختلفين معانا مش مشكلة، هنسيبهم وبعدين هيعرفوا إننا صح).

 

 

ثالثا: خيارات التحالف في المرحلة المقبلة

يتعرض التحالف لانتقادات مستمرة ترى أنه لا يفعل شيئا سوى التظاهر. في الوقت الذي لا تبدو خطواته السياسية ذات تأثير على مجمل الشهد، وغير قادرة على تغيير موازين القوى التي فرضها الجيش.

التظاهر والصمود في الشارع أصبح هو المنجز الوحيد المستمر منذ عام؛ لم يتمكن التحالف من استثمار حالة الرفض التي واجهها الانقلاب خارجيا في بعض دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية، ومن ثم باتت هذه الدول أقرب للتعامل مع الأمر الواقع الجديد الذي قبل به المجتمع الدولي. كما لم يحقق التحالف مكاسب في مسار الملاحقات القضائية.

خرجت المبادرات السياسية بصورة مرتبكة سواء في بروكسل أو في اسطنبول، خاصة وأن المجلس الذي أعلن عنه في اسطنبول يعتبر من الناحية السياسية تراجعا، لأنه تكرار لنفس المشهد ما يعني عمليا الاعتراف بفشل بروكسل ومن ثم الدخول في دوامة كيانات لا تحقق شيئا. كما لم يقدم صورة جديدة تتلافى الانتقادات التي وجهت للمجلس الأول، بل على العكس جاء أقل تنوعا من سابقه، وغابت عنه رموز سياسية مهمة رافضة للانقلاب، ما أعطى صورة سلبية عن مدى التفاهم والتنسيق بين مكونات التحالف الرئيسية، وهي الصورة التي أكدها قرار حزب الوسط بالانسحاب من التحالف.

من الناحية السياسية يمثل انسحاب الوسط، وربما غيره لا حقا، تراجعا يجب العمل على احتوائه، وعدم التعاطي معه بمنطق (كم مؤيد لهم في الشارع) لأن التأثير السياسي هنا نوعي، وقيمة التحالف السياسي بصورة أساسية في قدرته على استقطاب أطيافا متنوعة تمثل نواة لبلورة بديل سياسي للنظام الحالي. وهي مهمة لن تتحق بالإخوان وأحزاب أقصى اليمين الإسلامي (الجماعة الإسلامية والجهاد والأصالة والجبهة السلفية) وتتطلب مزيد من الانفتاح على الأحزاب أو المجموعات الليبرالية واليسارية.

حتى اللحظة يتمسك التحالف بخطابه السياسي دون تراجع أو مناورة. وبعد مرور عام على مذبحة رابعة، ومع التغيرات الداخلية والخارجية تحتاج الحركة الثورية الواسعة بشدة إلى إعادة تقييم الموقف، ومراجعة البدائل الأساسية المتاحة: الاستمرار- التوقف - التصعييد - تغيير الاستراتيجية العامة للحراك.

 

البديل

السيناريو المتوقع

المبررات

الإيجابيات

السلبيات // التحديات

(1)

الاستمرار

أن يظل التحالف متمسكا بخطابه السياسي، ويدعو للتظاهر طالما حافظت المظاهرات على استمراريتها ومستوى المشاركة.

عدم وجود ضمانات للتوقف، وعدم وجود رغبة جادة من السلطة في التفاوض والتهدئة.

استمرار حالة الإرهاق لأجهزة الأمن، والحفاظ على صورة ذهنية تطعن في شرعية السلطة القائمة.

قد توفر التظاهرات حاضنة للفئات التي تتضرر من النظام لأسباب معيشية، وغير قادرة على التعبير نتيجة قمع المظاهرات الفئوية.

- لن تحقق التظاهرات تغييرا في المعادلة ما لم تنضم إليها قطاعات أوسع، وهو ما لن يتحقق قريبا طالما ظلت المظاهرات تنادي بما هو مختلف عليه (الشرعية)

- مع طول الوقت ستصبح استنزافا للطاقات.

- يوفر مبررا لاخفاق السيسي في تلبية تطلعات المصريين والقاء التبعة على المظاهرات.

(2)

خطوة للوراء

أن يعلن التحالف تمسكه بموقف السياسي، واستمراره في مسار الملاحقات القانونية، وحصار الانقلاب سياسيا في الخارج. لكنه سيعلق المظاهرات مؤقتا من جانب واحد دون تفاوض أو تنازل.

الحرص على مصلحة الوطن المهدد بالتحول إلى دولة فاشة. وتجنبا للحظة انهيار يخسر فيها الجميع خاصة مع بوادر لاتساع مساحات العنف المتبادل.

 

 

سيفقد السيسي مبرر فشله (أي المظاهرات وعدم الاستقرار وفكرة وجود عدو). ومن ثم سيصبح وحده أمام الناس مسؤولا ويتحمل تبعات الإنهيار الذي تواجهه البلاد. وسيساعد ذلك على محاصرة السيسي اجتماعيا، لأنه غالبا لن يتمكن من تحقيق نجاحات.

ويوفر فرصة لمكونات التحالف للاستعداد لمرحلة جديدة ولترميم موقفها المجتمعي الذي سيتحسن.

- سيبدو ذلك نوعا من الاستسلام. ولن يتبعه بالضرورة اجراءات تهدئة من الأجهزة الأمنية (الأغلب أن بعضها سيحدث).

- موقف الدولة من استهداف وجود الإخوان والمجموعات المعارضة الإسلامية اجتماعيا ودعويا لن يتغير.

- من الصعب تحقيق توافق عليه داخل التحالف.

- يراهن القرار على صبر المصريين وتحملهم للتردي الاقتصادي والاجتماعي، وهو رهان محفوف بالمخاطر!

(3)

التصعييد

استمرار الخطاب السياسي كما هو، مع بدء خطوات ميدانية تتسم بالتصعييد ولها طابع أكثر عنفا.

أن النظام الحالي لا يمكن التعايش معه، ويجب اسقاطه مهما كانت التكلفة التي سيتم دفعها عاجلا أو آجلا، بل وتم دفع جزء كبير منها لا ينبغي اهداره.

كما أن السلمية لن تجدي معه.

التوسع في استهداف منشآت الدولة وخدماتها سيرهق السيسي ويزد من أزماته. كما أن زيادة ملامح عدم الاستقرار سيجهض أي خطط يتبناها لجذب استثمارات، وقد يؤدي لتراجع الدعم الخارجي له مع ارتفاع التكلفة دون عائد.

ومع الوقت سيكون الجيش أمام خيار إما السيسي وإما بقاء الدولة.

- الأنظمة العسكرية لا تستسلم بسهولة، وربما لا تحفل كثيرا بانهيار الدولة طالما أنها مازالت تحكم حتى لو حكمت قصور الحكم فقط (بشار الأسد مثال).

- سيخسر التحالف التعاطف الشعبي، وسيتحمل مباشرة تبعات اخفاق الدولة.

- المعادلة الصفرية للصراع تخدم الجيش لامتلاكه آليات العنف والقهر الأقوى.

- ثمة جانب من معسكر الانقلاب لا يمكن ولا يجب الدخول معه في معركة صفرية لأنه يمثل تيارات سياسية ومجتمعية، وجماعات دينية (الأقباط).

(4)

تغيير الوسائل والكيانات وبناء تحالفات جديدة للوصول إلى الأهداف

تطوير خطاب الاحتجاج من عودة الشرعية إلى الحفاظ على الدولة والديمقراطية وحقوق الانسان ومعارضة سياسات الحكومة الحالية وتركيز المطالب في تحقيق انتقال حقيقي للديمقراطية.. وظهور كيانات جديدة سياسية ومجتمعية وحقوقية تعبر عن هذه المطالب.

هناك تيار حقيقي سياسي واجتماعي انكشفت الكثير من الامور أمامهم، يمنعه نزول الإخوان "براياتهم" و"مطالبهم" من الاشتراك في الاحتجاج على الأوضاع الحالية.

- هذه الكيانات الجديدة ستكون البديل المدني للحكم العسكري بعد سقوط الانقلاب.. وليس الجماعة بشكلها التقليدي. والبديل الجديد سيعبرعن مطالب حقيقية للطبقات الاجتماعية التي لها مصلحة في محاربة الفساد وبناء دولة القانون.. وهو أمر بعيد عن المطالبة الحالية بالشرعية بعد كل عمليات غسيل المخ التي حدثت وتشويه الجماعة وحلفائها.

- هذا اختصار للطريق؛ فليس ثمة شك أننا بحاجة لبناء نظام جديد يقوم على تحالف واسع بين التيارات الاجتماعية والسياسية المؤمنة بالعدالة الاجتماعية والرافضة لاستمرار نظام يوليو القديم الجديد بكل تشوهاته.

- سيواجه هذا البديل في أوله بحالة نشوة من النظام باعتباره تراجعا وانهزاما. وهو ما قد يؤثر على الجبهة الرافضة للانقلاب ويحدث بها خلافات أعمق.

- حالة الاستقطاب والتعبئة على مدار أكثر من عام ستجعل تبني هذا الخيار على مستوى الحراك الحالي تحديا كبيرا. وليس من المستبعد أن يتمايز الحراك بين تيارين متمسك بالاستمرار في المسار الحالي، وآخر مستعد لتغيير الاستراتيجية الراهنة.

- مازالت حالة عدم الثقة قادرة على إفشال أي نمط من التحالفات الواسعة بين التيارات السياسية والاجتماعية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

رابعا: الشارع بعد عام من مذبحة رابعة

 

مثّل يوم 14 أغسطس الجاري مرحلة جديدة في نمط المواجهة بين رافضي الانقلاب والدولة. صحيح أن عمليات حرق واستهداف محولات الكهرباء أو أعمدة شبكات المحمول متصاعدة منذ شهر على الأقل، لكنها سجلت رقما قياسيا يوم الخميس 14/8/2014، بالإضافة إلى استهداف منشآت حكومية صغيرة (مباني أحياء بالقاهرة)، وحرق أتوبيسات نقل عام وعربات قطار في الصعيد، وقطع طرق رئيسية في القاهرة والدلتا بعدد قياسي على مدار اليوم. وسجلت حالتين لاستيلاء متظاهرين على مدرعات جيش، (بني سويف والسويس).

 

القيام بعمليات صغيرة من هذا النوع يمثل تهديدا مباشرة للسلطة القائمة ويرهقها إلى صورة بعيدة. ومن الصعب (إذا تبناها التحالف والمتظاهرون بصورة مركزية) أن تتمكن الدولة من اجهاضها نظرا للانتشار الهائل على مستوى الجمهورية لتلك الأهداف واستحالة تأمينها.  غير أن تبعات ذلك شعبيا يستحق الالتفات إليه؛ فتفجير محول كهرباء، أو أحد أعمدة الضغط العالي يترتب عليه فورا انقطاع الكهرباء عن منطقة أو قرية بالكامل (مثلا: تسبب استهداف محولات كهرباء في المنيا إلى انقطاع الكهرباء عن 22 قرية حسب صحف مصرية). قد تكون هذه المناطق عرضة أصلا لقطع التيار الكهربائي لتخفيف الأحمال، لكن الفارق الآن أن بعض السخط أو كله لن تتحمله الدولة وستلقي تبعاته على الإخوان/التحالف/الإرهابيين ....الخ.

 

مع ظهور مجموعات مسلحة تتوعد الجيش والشرطة، (حركة المقاومة الشعبية - مصر // ومجموعة حلوان) سيعيد النظام إحياء خطر الإرهاب الذي يهدد بقاء الدولة ودورها. وهي رسالة لازالت تلقى رواجا بين قطاعات اجتماعية لم تتخل بعد عن موقفها الداعم للجيش، أو حائرة بين الطرفين. وقد تم تسليط الضوء عليها فورا في إعلام الدولة ووجهت كرسالة مضادة لتقرير هيومن رايتس ووتش.

ستظل هناك كتلة اجتماعية صلبة داعمة للجيش ورافضة للإخوان في كل الأحوال، لأسباب طائفية وأيديولوجية واقتصادية وثقافية وربما نفسية وتاريخية. كما ستظل هناك قاعدة صلبة حول الإخوان.  ومن ثم سيظل الرهان على المنطقة الوسط الواسعة التي من الممكن أن تغير المعادلة لأي من الطرفين. يقابل هذا الرهان شعور عام، منذ سكوت المجتمع على جريمة رابعة، أن تلك المنطقة الوسط لن تلعب دورا في عملية التغيير، وأنها ستظل سلبية، بسبب الخوف أو الإحباط، وستكتفي بالانضمام إلى من غَلَب.

 

خاتمة

تبدو الأجواء مهيأة أكثر لسيناريوهات يغلب عليها التصعيد؛ فمن جهة لا يبدي السيسي نوايا جادة لتبني حلول وسط، بفرض أنه يمكن التوصل لأي حلول في وجود السيسي أصلا. ويمكن اعتبار أن خطابه يوم إطلاق مشروع قناة السويس هو أول بادرة على إدراكه أن المسار الحالي لا يمكن استمراره إلى مالا نهاية. لكن الأكيد أن الإطار العام لأي رؤية تفاوضية سيتبناها سيظل ملتزما بسياسة القبول بالأمر الواقع: خروج المعتقلين (من غير القيادات الرئيسية) وتوقف الملاحقات الأمنية والتواجد في إطار سياسي جديد، دون أي استعداد للتساهل مع عودة أنشطة ومؤسسات الجماعة نفسها الدعوية والاجتماعية، هذا فيما يخص الجماعة؛ أما الأهم والأعم فلا توجد أي مبررات أو مؤشرات على قدرة النظام الحالي الانتقال بمصر إلى مرحلة جديدة تحقق الحد الأدنى من طموحات 25 يناير. أي أن تصوره المعروض هو قبول (العيش) في ظل أجواء سياسية ربما أسوأ من سنوات حكم مبارك.

 

من جهة أخرى تبدو بوادر الملل طاغية على رؤية قواعد التحالف والمجموعات الشبابية غير المؤطرة، (بعضها يغلب عليه الميول السلفية)، التي تلح على اتخاذ خطوات أكثر جذرية، وتبني رؤى خارج الصندوق تكسر رتابة المشهد الراهن.  مع ظهور مجموعات شبابية أكثر استعدادا لتبني وسائل تتسم بالعنف والمواجهة ليس من المستبعد أن تتسع رقعة نشاطها، وستكون من الناحية السياسية محسوبة على الإخوان، (أمام الرأي العام الداخلي والخارجي والدولة)، بغض النظر عن حقيقة انتمائها أو خلفيات تكونها. وهنا يتحتم على الإخوان باعتبارهم تاعصب المركزي للتحركات المناهضة للانقلاب في الشارع، التحلي بالمسؤولية وضبط حدود المواجهة لأن مؤشرات خروج المشهد عن السيطرة باتت واضحة.

 

وأيا كان السيناريو الذي ستتجه إليه الأحداث، فثمة ملاحظات عامة:

  1. توسيع رقعة المواجهة واتخاذها طابعا أكثر عنفا (لا نعني العسكرة بالطبع) يتطلب بداية توسيع القاعدة الجماهيرية المشاركة ميدانيا؛ لأن قرار التصعييد يجب أن يكون شعبيا، ليكون أكثر تأثيرا وعصيا على استعداء الرأي العام. كما أن تصعييد المواجهة دون وجود بديل سياسي متماسك وله بنية متنوعة تمثل انعكاس لأطياف المجتمع (أغلبها على الأقل) سيكون قفزة في الهواء إلى المجهول.
  2. تقبل حقيقة أنه بغض النظر عن البديل الذي يتبناه رافضوا الانقلاب، فإن المواجهة ليست قصيرة، وأن استراتيجية تحقيق مكاسب نوعية صغيرة تتراكم مع الوقت، بالتوازي مع اخفاقات الانقلاب التي تتراكم مع الوقت، ستوصل الحراك في لحظة ما إلى تكوين كتلة حرجة قادرة على الفعل الثوري في الشارع، (أو التفاوضي أيضا) بصورة أكثر حسما وتأثيرا.
  3. النظام الحالي، حتى لو تخلى في لحظة ما عن السيسي، من غير الوارد أن يتعايش مع الإسلاميين، أو أن يقيم نظاما سياسيا عادلا ونزيها وديمقراطيا.

 

 طالما احتفظ النظام الحالي بتركيبته ونمط تحالفاته ومراكز القوى فيه، لن تتغير نظرته للتيار الإسلامي ولعملية التغيير السياسي ذاتها ولحقوق الفقراء والعدالة الاجتماعية واستقلال الإرادة الوطنية...الخ؛ لذا أي حلول وسط (إن وجدت في مرحلة ما) يجب أن تتبنى إعادة حقيقة لتوزيع القوى بين الثورة ومراكز القوى التي ليس من المتوقع إزاحتها نهائيا.

 

في المجتمعات المنقسمة قد لا تكون “الديمقراطية” صيغة مناسبة في مراحل التحول والانتقال، لذا يكون الاتفاق على صيغ من التعايش المتوازن ربما أكثر واقعية ولو بصورة مرحلية مؤقتة. ليس اتفاقا بين الإخوان وغيرهم، بل اتفاقا بين التيارات الاجتماعية نفسها التي تتمسك ببناء صيغة جديدة من التعاقد الإجتماعي والسياسي، والتي في لحظة ما ستؤمن أنهم جميعا باقين على هذه الأرض ولن يرحلوا عنها!

 


[1] أعد النسخة المبدئية من هذه الورقة عمار أحمد، الباحث بالمركز، ثم خضعت لنقاش ومراجعة من وحدة الأبحاث ومستشاري المركز.

 


الإحالات:

[1] سامح نجيب، ما بين انتهاء موجة ثورية والاستعداد لموجة ثورية جديدة.

[2] أنظر: بشير موسى نافع، عواصم الثورة العربية المضادة تعيش أياماً بالغة الكآبة، القدس العربي، 14/8/2014.

[3] وحدة تحليل السياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قرار الحكومة المصرية بالرفع الجزئي لدعم المحروقات: تعميق الأزمة أم خطوة باتجاه حلها؟، أغسطس 2014. وأنظر أيضا: عمرو عادلي، الضرائب والسياسة في مصر السيسي، كارنيجي، 11/8/2014.

 

المرفقات: 
مشاهدة
Current View
Click here to download the PDF file.